[size=25]التنين النائم
سمعة الإنسان وسيرته الحسنة هي ما يسبقه دائما
ويرفعه عاليا .
والمرء الذي يتحرك غير عابئ بأن كل خطوة يخطوها
هي سطر سيكتب في سيرته ، وقد يصعب محوها امرء
لا يعط الأمور قدرها أو قيمتها الحقيقية .
إن سمعة المرء وسيرته ، قادرة على رفعه إلى الثريا ،
أو إخفاءه في أسفل سافلين ! .
واسمع معي لتلك القصة كي تدرك ما أود الذهاب إليه ..
تحكي كتب التاريخ الصينية أنه أثناء حرب الممالك الثلاث
في الصين عام 265م ، أن الجنرال تشوكو ليانج كان قائدا
زائع الصيت
كانوا يلقبونه ( بالتنين النائم) نظرا لما عرف عنه من مكر
ودهاء ، راح هذا الرجل ينمي لدى الجميع أنه أكثر أهل
الأرض دهاء وحنكة ، مما جعل فرائص أعدائه ترتعد دائما ،
فالسمعة في ميدان الحرب توازي قوة السلاح .. وقد تفوقها .
وذات يوم أرسل تشوكو ليانج قواته كلها إلى معسكر بعيد ،
وبينما كان يجلس في مملكته الفارغة إلا من مائة جندي
يعملون على خدمته ،
وإذ بحرسه يخبره فزعا أن هناك قوة معادية من مائة
وخمسون ألف جندي يرأسهم أحد ألد أعدائه تقترب
من المدينة وتستعد لسحقها على رؤسهم .
لم يتوقف ليانج لحظة ليفكر من ذا الذي وشى به ،
أو يبكي على المصير الأسود الذي ينتظره ، لكنه أمر جنوده
أن يفتحوا أبواب المدينة على مصراعيها ،
ثم أمر جنوده أن يرفعوه على أبرز جزء من أسوار المدينة
ويختبؤا جميعا ، وقام بدوره بإشعال البخور وشد أوتار
عوده والغناء بهدوء واستمتاع ظاهر ، وكأنه عاشق
ينتظر ظهور معشوقته .
واقترب الجيش الكثيف من أسوار المدينة لكن ليانج
لم يتوقف لحظة عن العزف .
وعرف الجيش الغازي وقائده شخصية الرجل الجالس
أعلى سور المدينة يعزف على وتره غير عابئ بهم ،
وبينما الجنود يتحرقون لدخول المدينة المفتوحة الأبواب ،
وإذ بقائدهم يأمرهم بالعودة فورا من حيث أتوا ،
فالتنين النائم ما يلبث ـ حسب مخاوفه ـ أن ينثر عليهم
من لهبه ، فهو رجلاً لا يغلبه في مكره غالب .
وعادت الجيوش من حيث أتت ، وقد هزمتها سمعة
هذا الماكر المحتال ، دون أن يرفع سيف أو يريق
قطرة دم واحدة .
هل رأيت قارئي الحبيب ما الذي يمكن أن تفعله سمعة
وشهرة الواحد منا .
إن أحد أهم مفاتيح نجاحنا في الحياة ، هو مفتاح السمعة
الطيبة والسجل الطاهر النظيف ، والسيرة التي تنافح
عنا بكل قوة .
عندما تطير سمعتك إلى الآفاق لتقول للعالم أنظروا لهذا الرجل ،
طالعوا سيرته الطيبة ، توقفوا أمام كرمه وشجاعته وطيب
أصله ونبل أخلاقه ، بهذا تكون قد فعلت الكثير .
لا أقصد أن تبحث عن ثمن الخير الذي تقدمه على ألسنة الناس ،
ولكن أطالبك بأن تنظر إلى أبعد من ذلك . تعال معي ننظر
إلى مشهد في سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم ،
فعندما بلغ النبي صلى لله عليه وسلم قول المنافق
عبد الله بن أبي بن سلول :
"والله لئن رجعنا إلى المدينة ليُخرجن الأعز منها الأذل"،
قال له عمررضي الله عنه : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا
المنافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :"دعه لا يتحدث
الناس أن محمداً يقتل أصحابه"(صحيح الترمذي)
ومعلوم أن نفاق عبد الله بن أُبي كان نفاق كفر، لكن النبي
هاهنا وحفاظا على سمعته ، والتي هي سمعة الإسلام ،
توقف عن القصاص عن أحد أشرس المنافقين .
كذلك نرى بعد وفاة الحبيب، ورفض كثير من الولايات
الاسلامية دفع الزكاة ، فإن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ،
قرر أمر غريب وهو إنفاذ جيش أسامة بن زيد والذي كان
قد جهزه النبي قبل وفاته ،
وبرغم أن كثير من قادة الإسلام وعلى رأسهم عمر بن الخطاب
رضي الله عنه كان لهم رأي آخر وهو الالتفات إلى حروب الردة
ومحاربة من منع الزكاة ،
إلا أن أبي بكر وبتصميم عجيب قرر إمضاء الجيش ،
فما كان من المنافقين ومانعي الزكاة الذين وصلهم خبر
جيش أسامة إلا أن قالوا ( والله إن لم يكن يملك من القوة
الكثير ما بعث هذا الجيش الجرار الآن ) ،
ورجع إلى حظيرة الإسلام كثير من مانعي الزكاة ،
وهنا أيضا كان للسمعة أثر كبير .
إن سمعة المرء منا هي أصل رأس ماله ، والناس
لا تعرف مكنونات القلوب ، بل تنساق وراء الأخبار المتطايرة ،
وتصدق ما تواتر الناس على ترديده .
فحارب أخي من أجل أن تظل سمعتك طيبة ، وسيرتك عطرة ،
لا تسمح للاهي أو عابث أن يدنسها أو ينال منها .
. مهما كلفك الأمر .