أفكار مونديالية 30: اوروجواي وهولندا ضد خرافة الاخطبوط بول

في ظل تصاعد حملة الخرافات والشعوذة الكروية حول التكهنات والتوقعات عن نتائج مباريات المونديال بعد فشل جميع الترشيحات والتوقعات التي أطلقها الخبراء والنجوم الكبار ، تواصل تكهنات الاخطبوط الالماني "بول" اجتذاب أضواء وسائل الاعلام العالمية واهتمام موقعي "الفيس بوك" و"تو يتر" علي الانترنت والعديد من المواقع والصحف وشبكات الاخبار العالمية ، لدرجة البث علي الهواء تليفزيونيا لاجراءات عملية التنبوء التي تجريها إدارة متحف الاحياء المائية ( اكواريوم ) بمدينة اوبرهارون الالمانية ، بتخيير الاخطبوط "بول" بين وجبتين في وعائين زجاجين علي أحدهما نموذج مصغر لعلم أحد المنتخبين المتباريين ،وعلي الوعاء الآخر علم المنتخب الآخر، وإذا اختار الاتجاه للاكل من أحد الوعائين يكون بذلك قد تنبأ بفوز ذلك المنتخب!

ويقال حسب مانٌقل عن وسائل الاعلام المتابعة لهذه التقليعة الغريبة أن كل تنبؤات الاخطبوط التي توقعها للمنتخب الالماني جاءت صحيحة حتي هزيمته امام صربيا وانتصاراته في باقي المباريات ثم هزيمته الاخيرة امام اسبانيا في الدور قبل النهائي ، ومايؤسفني ويشعرني بمدي تفاهة هؤلاء أن هذا الموضوع الذي بدأ علي سبيل الضحك والدعابة والاستظراف والتسلية ، أصح يؤخذ الان علي محمل الجد والاهتمام الكبير خاصة بين الساسة والمشاهير وبعض الشخصيات العامة ، لدرجة ان إحدي الصحف الالمانية خرجت بعد مباراة اسبانيا لتتهم الاخطبوط بالخيانة للبلد الذي يأويه ، وتعلن عن نية الالمان التخلص من هذا الاخطبوط بإنهاء حياته وأكله!

وما أثار الدنيا ولم يقعدها خلال ال24 ساعة الماضية التنبؤ الاخير للسيد الاخطبوط عن مباراة اليوم لتحديد المركزين الثالث والرابع بين المانيا واوروجواي حيث تنبأ بفوز المانيا ، والمباراة النهائية غداً بين اسبانيا وهولندا حيث تنبأ بفوز اسبانيا .. وقد توالت ردود الفعل علي كافة المستويات العالمية حول هذا التنبؤ وتضاعفت حالة الترقب العالمي لرصد مدي صحة هذه التوقعات التي كاد هؤلاء التافهون أن يحولوها إلي فتنة ساذجة تأسر أحوال ومشاعر الخواء الديني والفكري لدي عشرات الملايين من البشر في العالم الغربي وقارات أخري في العالم ما زالت ترفل بكل أسف في حلة الالحاد او حمل مسمي ديني دون إيمان حقيقي لا ظاهرياً أوجوهرياً، فضلاً عن معتنقي الديانات الوثنية التي تقدس بعض الحيوانات او الطبيعة وتلتحف الشرك والكفر وعبادة الاصنام والاوثان وتبتعد عن توحيد الآله الواحد الاحد ، في عصر القرية الكونية الذي وصلت فيه كل الحقائق والمعلومات عن دين الاسلام وغيره من الديانات السماوية الاخري إلي جميع أنحاء العالم .

وما يزيد من توجسي ردة الفعل في اسبانيا حول تفاؤلهم بتوقع الاخطبوط بفوزهم غداً ، وأنهم سيتصدون لاي محاولات المانية للتخلص من هذا الاخطبوط "المبروك "، وكذلك ما أثير حول تفاؤل الهولنديون للتنبؤ الآخر للببغاء السنغافوري "ماني" الذي اختلف مع تنبؤات الاخطبوط بول وتنبأ بفوز هولندا غداً .. وإذا ما فكر أي عاقل في بلاد غربية مثل المانيا واسبانيا وغيرهما ممن يفخرون بذخيرة القاعدة العلمية لديهم والابحاث العلمية المتقدمة ، ولم يفكروا في منطق لدحض هذه الخرافات والترهات الكاذبة ، ولو من باب البحث العلمي ولو أنني اهتممت مبكراً بهذا الامر ، لارسلت إلي إدارة اكواريوم اوبرهارون لاطلب منهم وضع وعاء عليه علم لفريق لن يلعب في المباراة التي يؤخذ لها تنبوء الاخطبوط بول ، وربما اختار الفريق غير الموجود أصلا في المباراة أو الذي غادر المونديال ، وربما في الامر حقائق او معلومات علمية - لا أفتي فيها - عن اجتذاب بعض الالوان او رائحة طعام مفضل للاخطبوط .

وشخصياً أعجبتني تصريحات اوسكار تاباريز المدير الفني لمنتخب الاوروجواي عندما قال ان إعلان تنبوء الاخطبوط بول بفوز المانيا اليوم علي فريقه ، قد استفز لاعبيه واستثار حماسهم لتحدي هذا التنبؤ وتلك الخرافة ، وأتمني من قلبي اليوم الفوز لفريق اوروجواي لكي يدحض هذه الاكاذيب والتخرصات ، وربما اميل أيضا لتأييد فوز هولندا غدا لنفس السبب ، وبصرف النظر عن تحقق أو تكذيب تنبؤات الاخطبوط ،فقد كذب المنجمون ولو صدقوا حسب مقولة السلف الصالح .

وأعود بسرعة الي مباراة اليوم رقم 63 وقبل الاخيرة في المونديال التاسع عشر بجنوب افريقيا ، والتي تسبق يوم الختام غدا عندما يتوج المنتخب الثامن الذي ينال اللقب ويعتبر الوافد الجديد الذي سينضم إلي نادي العظماء الفائزين بكأس العالم منذ انطلاق البطولة قبل 80 عاماً..وإذا كان هناك من سيتنافس علي المجد الكبير والتتويج باللقب غداً ، وهما منتخبي الماتادور الاسباني والطواحين الهولندي ،فإن اليوم يشهد مباراة تحديد المركزين الثالث والرابع والتي أحب أن أسميها مباراة الترضية لمن لم يحالفهما ويسعدهما الحظ بالتأهل إلي المباراة النهائية ، وربما كان منتخب المانشافت الالماني في موقف أحسن بعض الشيء من الناحية الفنية ، ولكنه معنوياً في حالة سيئة ويتفوق عليه منتخب اوروجواي الذي لم يصل إلي هذه المرحلة منذ عقود بعيدة ، وكان آ خر عهده بالانجازات المونديالية منذ 60 عاما حينما هزم البرازيل في ستاد الماراكانا وفاز بكأس العالم ليحصد لقبه الثاني ويضمه إلي لقبه التاريخي حين نظم المونديال الاول علي ارضه وفاز به عام 1930 ، ولاشك أن فوزمنتخب اوروجواي علي المانيا اليوم وحصوله علي المركز الثالث ، سيكون إنجازاً كبيراً و تاريخياً لدييجو فورلان وزملاءه الذي سينعشون ذاكرة جماهيرهم بأمجادهم الكروية العظمي ، بعد تراجع وغياب طويل ، فأخر انجازات اوروجواي كان التأهل الي دور الثمانية قبل 40 عاماً ، وفي الفترات الاخيرة أصبح مجرد تأهل اوروجواي عن امريكا الجنوبية للمشاركة في النهائيات أمر رائع ، ويٌنظر إليه - في حد ذاته - بإعتباره إنجازاً ، أما تجاوز مرحلة او مرحلتين في النهائيات ، فيعتبر شيئاً مميزاً جداً ، ولكن التأهل للعب علي المركز الثالث فهو استعادة للعصر الذهبي للكرة هناك ، وسيبرهن علي ذلك الفوز اليوم علي الالمان والتتويج بالميداليات البرونزية، وبالطبع فهذا الحافز الهائل سيدفع منتخب الاوروجواي للعب بحماس واندفاع وبذل أقصي الجهد من أجل تحقيق ذلك الانجاز الكبير لكي يلقوا حين عودتهم استقبال الابطال من قيادتهم السياسية وجماهيرهم المتحمسة .. وتكتمل في مباراة اليوم صفوف منتخب الاوروجواي بتعافي فورلان وعودة ثلاثة نجوم غابوا عن مباراة الدور قبل النهائي سواء للايقاف اوالاصابة وهم لوجانو كابتن الفريق وقائد الدفاع والمدافع الاساسي فوسيلي والمهاجم المتألق لويس سواريز صاحب الواقعة الشهيرة بإبعاد الكرة بيديه من فوق خط المرمي في الثواني الاخيرة من مباراة اوروجواي وغانا في دور الثمانية والتي طرده بعدها الحكم واحتسب ضربة جزاء لغانا أضاعها جيان اسمواه وبعدها مباشرة انتهي وقت المباراة ولجأ الحكم الي ركلات الترجيح التي فازت بها اوروجواي وصعدت إلي الدور قبل النهائي .

أما منتخب الماكينات الالماني (المانشافت )، فرغم حالة الاحباط الكبيرة التي وقع الفريق أسيراً لها وهو كان يأمل ان يتباري غداً علي الكأس وينتزعها للمرة الرابعة في تاريخه ، فإنه بات قانعاً بأن ليس في الامكان أفضل مما كان وتحقيق المركز الثالث مثلماً حدث في المونديال السابق علي ملعبه ، أفضل بكثير من نيل الهزيمة علي يد فريق لم يكن مرشحاً في الاساس للوصول إلي مرحلة الاربعة الكبار، واعتقد ان المدير الفني الالماني لوف درس أخطاءه في التشكيل والتكتيك وادارة المباراة ، وتحقق من أن المسألة لم تكن تفوقا مطلقاً في المواهب والامكانات للاسبان ، ولكنهم كانوا الفريق الاكثر ثقة وتلقائية دون خوف او تراجع ، وكانوا الفريق الاقل في ارتكاب الاخطاء.. واعتقد انه بعد عودة توماس مولر اليوم ، وتعديل التكتيك ، فإن الالمان سوف يحاولون العودة إلي ايقاعهم ومستواهم الرهيب امام انجلترا والارجنتين واهد اء هدف او اثنيين للعجوز كلوزة يدخل من خلالهما التاريخ معادلا لانجاز رونالدو البرازيلي او متفوقا عليه كأفضل هداف في تاريخ المونديال ب15 هدفاً .. وهذه ستكون فرحة كبيرة للالمان ينسون من خلالها لوعة الهزيمة امام اسبانيا ، ويبدأون من الان خطة الاعداد للمونديل البرازيلي عام 2014 !!!