الغيبـــــــــة والنميمــــــــــــــة[u]
احذروا الثالثوث الخطر
الغيبة، والنميمة، والبهت
الأدلة على تحريم ذلك من الكتاب والسنة والآثار
فضل من رد عن عرض شيخه أو أخيه
المستمع شريك القائل
كفارة الغيبة
لا تمكِّن أحداً أن يغتاب عندك أحداً
هذا الثالوث من أكبر الكبائر، ومن أقبح القبائح، وأرذل الرذائل، لأنه مرعى اللئام، وسمة السفلة من الأنام، وهو ماحق للحسنات، ومولد البغضاء بين الناس.
فالغيبة هي ذكرك أخاك بما فيه مما يكره، سواء كان ذلك في دينه، أوبدنه، أودنياه، أوما يمت إليه بصلة كالزوجة، والولد، ونحوهما، سواء كان ذلك بلفظ، أوكتابة، أورمز، أوإشارة.
والبهت: ذكرك أخاك بما ليس فيه مما يكره.
والنميمة: نقل الكلام من شخص إلى آخر بغرض الإفساد.
وكل ذلك من أحرم الحرام، ومن الكبائر العظام.
الأدلة على تحريم ذلك من الكتاب والسنة والآثار
• قال تعالى: "ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه".1
• وقال: "ويل لكل همزة لمزة".2
• وقال: "هماز مشاء بنميم".3
• وفي الصحيح عن أبي هريرة يرفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم: "أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم؛ قال: ذكرك أخاك بما يكره؛ قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته".4
• وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم".5
• وعن سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن من أربى الربا الاستطالة في عِرْض المسلم بغير حق"6
• وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: "حسبك من صفية كذا وكذا"، قال بعض الرواة: تعني قصيرة،7 فقال: "لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته".8
• وفي الصحيح: كان رجل يرفع إلى عثمان حديث حذيفة، فقال حذيفة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يدخل الجنة فتان"، يعني نمام.9
• وروي عنه صلى الله عليه وسلم: "يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتبع عورات المسلمين يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه وهو في بيته".
• وقال صلى الله عليه وسلم: "شراركم أيها الناس المشاءون بالنميمة، المفرِّقون بين الأحبة، الباغون لأهل البر العثرات".
• وكان بين سعد وخالد كلام، فذهب رجل يقع في خالد عند سعد، فقال سعد: مه، إن ما بيننا لم يبلغ ديننا.
• وقال رجل للحسن البصري: إنك تغتابني؟ فقال: ما بلغ قدرك عندي أن أحكمك في حسناتي.
• وقال ابن المبارك: لو كنت مغتاباً أحداً لاغتبت والدي لأنهما أحق بحسناتي.
والغيبة كما تكون باللسان، واليد، والإشارة، تكون بالقلب بسوء الظن، فإذا ظننت لا تتبع ظنك بعمل.
فضل من رد عن عرض شيخه أو أخيه
من حق المسلم على المسلم أن لا يغتابه ولا يبهته، فإذا سمع أحداً وقع فيه ردَّ عنه وأسكته، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم: "من ردَّ عن عرض أخيه ردَّ الله عن وجهه النار يوم القيامة"10، وكذلك: "ما من امرئ يخذل مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موضع يحب فيه نصره".
المستمع شريك القائل
القائل والمستمع للغيبة سواء، قال عتبة بن أبي سفيان لابنه عمرو: "يا بني نزِّه نفسك عن الخنا، كما تنزه لسانك عن البذا، فإن المستمع شريك القائل".
كفارة الغيبة
الغيبة من الكبائر، وليس لها كفارة إلا التوبة النصوح، وهي من حقوق الآدميين، فلا تصح التوبة منها إلا بأربعة شروط، هي:
1. الإقلاع عنها في الحال.
2. الندم على ما مضى منك.
3. والعزم على أن لا تعود.
4. واستسماح من اغتبته إجمالاً أو تفصيلاً، وإن لم تستطع، أو كان قد مات أوغاب تكثر له من الدعاء والاستغفار.
لا تمكِّن أحداً أن يغتاب عندك أحداً
أخي الكريم نزِّه سمعك ومجلسك عن سماع الغيبة والنميمة، لتكون سليم القلب مع إخوانك المسلمين، فعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يبلِّغني أحد عن أصحابي شيئاً فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم القلب".11
قال ابن عباس: قال لي أبي: "إني أرى أمير المؤمنين ـ يعني عمر ـ يدنيك ويقربك، فاحفظ عني ثلاثاً: إياك أن يجرِّب عليك كذبة، وإياك أن تفشي له سراً، وإياك أن تغتاب عنده أحداً".
روى الأوزاعي أن عمر بن عبد العزيز قال لجلسائه: "من صحبني منكم فليصحبني بخمس خصال: يدلني من العدل إلى ما لا أهتدي إليه، ويكون لي على الخير عوناً، ويبلغني حاجة من لا يستطيع إبلاغها، ولا يغتاب عندي أحداً، ويؤدي الأمانة التي حملها بيني وبين الناس، فإذا كان ذلك فحيهلا، وإلا فقد خرج عن صحبتي والدخول عليّ".
فاشتغل أخي بالتجارة الرابحة، واحذر التجارة الخاسرة الكاسدة.
والله أسأل أن يوفقنا وإياكم لحفظ الجوارح، سيما الفرج واللسان، ومن الوقوع في الحرام، وصلى الله وسلم وبارك على خير ولد عدنان.
فإذا رأيت من نفسك إيذاء لأخيك أو أختك في الله بالغيبة أو بالسب أو بالنصيحة أو بالكذب أو غير هذا ، فاعرف أن إيمانك ناقص وأنك ضعيف الإيمان ، لو كان إيمانك مستقيما كاملا لما فعلت ما فعلت من ظلم أخيك ، والتعدي عليه بالغيبة والنصيحة ، أو الدعوى الباطلة أو الشهادة بالزور أو اليمين الكاذبة أو السباب ، ونحو ذلك ، فالإيمان بالله ورسوله والتقوى لله والبر والهدى ، كل ذلك يمنع صاحبه عن التعدي على أخيه في الله وأخته في الله ، لا بالغيبة ولا بالشتم ولا بالكذب ولا بالدعوى الباطلة ولا بشهادة الزور ولا غير ذلك من أنواع الظلم ، فإيمانه يحجزه عن ذلك ويصنعه من كل أذى ، ثم قال سبحانه بعد ذلك : يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ هذا واجب عظيم فيه صلاح الأمة ، وبه نصر الدين ، وبه القضاء على أسباب الهلاك والمعاصي والشرور ، فالمؤمنون والمؤمنات يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر المؤمن لا يسكت إذا رأى من أخيه منكرا ، ينهاه عنه ، وهكذا إن رأى من أخته أو عمته أو خالته أو غيرهن ، إذا رأى منهن منكرا نهاهن عن ذلك ، وإذا رأى من أخيه في الله أو أخته في الله تقصيرا في الواجب أنكر عليه ذلك ، وأمره بالمعروف ، كل ذلك بالرفق والحكمة والأسلوب الحسن ، فالمؤمن إذا رأى أخا له في الله يتكاسل عن الصلوات أو يتعاطى الغيبة أو النميمة أو شرب الدخان أو المسكر أو يعصي والديه أو أحدهما أو يقطع أرحامه أنكر عليه بالكلام الطيب والأسلوب الحسن ، لا بالألقاب المكروهة والأسلوب الشديد ، وبين له أن هذا الأمر لا يجوز له ، وهكذا إذا رأى من أخته في الله منكرا أنكر عليها ذلك ، كأن يراها تعصي والديها ، أو تسيء إلى زوجها أو تقصر في تربية أولادها ، أو تتساهل بالصلاة أنكر عليها ، سواء كان زوجها أو أباها أو أخاها أو ابن أختها أو ابن أخيها ، أو ليس قريبا لها بل من الناس الذين عرفوا ذلك منها ، وهي كذلك إذا رأت من زوجها تقصيرا نهته عن ذلك ، كأن رأته يشرب الخمر أو رأته يدخن أو رأته يتساهل بالصلاة ، أو يصلي في البيت دون المسجد تنكر عليه بالأسلوب الحسن وبالكلام الطيب ، كأن تقول له : يا عبد الله ، اتق الله وراقب الله ، هذا لا يجوز لك حافظ على الصلاة في الجماعة ، دع عنك ما حرم الله عليك من المسكرات أو التدخين أو حلق اللحية ، أو إطالة الشوارب ، أو إسبال الملابس .
كل هذه المنكرات يجب على كل واحد من المؤمنين والمؤمنات والصلحاء إنكارها ، وعلى الزوج والزوجة وعلى الأخ والقريب وعلى الجار وعلى الجليس وعلى غيرهم القيام بذلك كما قال الله تعالى في وصف المؤمنين والمؤمنات : يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وقال المصطفى عليه الصلاة والسلام : إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه ، ويقول عليه الصلاة والسلام : من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان وهذا عام لجميع المنكرات سواء كانت في الطريق ، أو في البيت أو في المسجد أو في الطائرة أو في القطار أو في السيارة أو في أي مكان ، وهو يعم الرجال والنساء جميعا ، المرأة تتكلم والرجل يتكلم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . لأن في هذا صلاح الجميع ونجاة الجميع ، ولا يجوز السكوت عن ذلك من أجل خاطر الزوج أو خاطر الأخ أو خاطر فلان وفلان ، لكن يكون بالأسلوب الحسن والكلمات الطيبة ، لا بالعنف والشدة ، ومع ملاحظة الأوقات المناسبة ، فقد يكون بعض الناس في وقت لا يقبل التوجيه ولكنه في وقت آخر يكون متهيئا للقبول ، فالمؤمن والمؤمنة يلاحظان للإنكار والأمر بالمعروف الأوقات المناسبة ولا ييأس إذا لم يقبل منه اليوم أن يقبل منه غدا ، فالمؤمن لا ييأس ، والمؤمنة لا تيأس ، بل يستمران في إنكار المنكر ، وفي الأمر بالمعروف وفي النصيحة لله ولعباده مع حسن الظن بالله والرغبة فيما عند الله عز وجل ، ثم قال الله سبحانه : وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ هكذا المؤمنون والمؤمنات يقيمون الصلاة ويحافظون عليها في أوقاتها ، ويقيمها الرجال في المساجد ، ويحافظون عليها مع إخوانهم في الجماعة ، ويسارعون إليها إذا سمعوا المنادي يقول : ( حي على الصلاة ، حي على الفلاح ) ويبادرون إليها في جميع الأوقات.
والواجب على كل مؤمن أن يراقب الله في ذلك ويحذر مما ابتلي به كثير من الناس - والعياذ بالله- من أدائها في البيت ، والتخلف عن صلاة الجماعة حتى شابهوا أهل النفاق في ذلك ، فيصلي في البيت وقد عافاه الله وربما أخر الفجر إلى ما بعد طلوع الشمس إلى أن يقوم العمل ، فيصلي وربما تركها بالكلية ، وهذا هو البلاء العظيم والمنكر الخطير ، فالصلاة عمود الإسلام ، من حفظها فقد حفظ دينه ، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع ، من تركها كفر لقول النبي صلى الله عليه وسلم : العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر وهذا يعم الرجال والنساء ، ويقول عليه الصلاة والسلام : بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة فلا يجوز للمؤمن التساهل بهذا الأمر ولا للمؤمنة ، ولا يجوز للرجل فعلها في البيت ، بل يجب الخروج إلى المساجد ، يقول النبي : من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر وجاءه رجل فقال يا رسول الله أنا رجل أعمى ليس لي قائد يلائمني إلى المسجد فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال " هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال نعم قال فأجب فلم يرخص له النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعمى ليس له قائد يلائمه ، فكيف بحال الصحيح البصير .
وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم وهذا يدل على عظم الأمر . فالواجب العناية بالصلاة والمسارعة إليها في المساجد ، والحذر من التكاسل عنها والتثاقل ، فإن الكسل عنها والتثاقل من صفات أهل النفاق - نعوذ بالله من حالهم- كما قال سبحانه : إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلًا فالواجب على كل مسلم ومسلمة العناية بالصلاة التي هي عمود الإسلام ، وهي أعظم أركانه بعد الشهادتين ، فمن حفظها حفظ دينه ، ومن ضيعها ضيع دينه- ولا حول ولا قوة إلا بالله- ومن المحافظة عليها ومن إقامتها الخشوع فيها وعدم مسابقة الإمام ، يقول الله سبحانه وتعالى : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ ويقول صلى الله عليه وسلم أسوأ الناس سرقة الذي يسرق صلاته قيل يا رسول الله كيف يسرق صلاته؟ قال لا يتم ركوعها ولا سجودها ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا قد أساء في صلاته ، فلم يتم ركوعها ولا سجودها أمره أن يعيد الصلاة ، وقال له : إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها
وكثير من الناس ينقرها نقرا ، ولا شك أن ذلك منكر عظيم؛ لأن من نقرها بطلت صلاته للحديث المذكور ، فلابد من الطمأنينة في الركوع والسجود والاعتدال بعد الركوع وبين السجدتين ، مع الحذر من مسابقة الإمام ، فإذا كنت مع الإمام فلا تسابقه ، إذا كبر فلا تكبر حتى يكبر وينقطع صوته ، وإذا قال : " الله أكبر " راكعا ، فلا تركع حتى يستوي راكعا وحتى ينقطع صوته ، ثم تركع ، وهكذا في السجود لا تسابق الإمام ولا تكن مع الإمام ، لا معه ولا تسابقه ، لا هذا ولا هذا ، يقول صلى الله عليه وسلم : إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالانصراف ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح : إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا كبر فكبروا ولا تكبروا حتى يكبر وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع إذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد وإذا سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجد وهذا الأمر واضح بين- لكل من وفقه الله- ولكن بعض الناس لا يصبر ، بل يسارع ويسابق الإمام- والعياذ بالله- فالواجب الحذر من ذلك .