أخلاق الرسول (ص)
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين محمدا ابنعبد الله المصطفى الجليل وعلى اله وصحبة ومن سار على نهجه أجمعين .
قد نتحدث هنا في هذا البحث المختصر ، عن أخلاق الرسول الكريم صلى اللهعليه وسلم ، وكيف كانت حياته العظيمة ، ويجب أن نسير على نهجه السيرةالنبوية الشريفة وأن نقتدي به علية افضل صلوات الله وسلامه .
أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم
رحمة للعالمين
ونحن نقرأ في السيرة النبوية الشريفة ونلمس آثارا كبيرة تدل على معنىالشمولية الكونية في الإسلام ، ومن ذلك كيفية تعامله ( صلى اللـه عليهوآله ) مع الحيوان ، وقد نقل عنه ( صلى اللـه عليه وآله ) انه قص جزء منردائه لان قطة كانت نائمة عليه فأبى أن يوقظها من نومها ، وفي مرة أخرىنجده ( صلى اللـه عليه وآله ) يسقي هذا الحيوان بيده الكريمة عندما يلحظالعطش عليه ، وتارة يحذر من إيذاء الحيوان فيقول ( صلى اللـه عليه وآله ): " رأيت في النار صاحب الهرة تنهشها مقبلة ومدبرة ، كانت أوثقتها ولم تكنتطعمها ولا ترسلها تأكل من خشاشه الأرض (1)
بل أن رحمته ( صلى اللـه عليه وآله ) شملت حتى الأفاعي التي تقطن في بعضزوايا البيوت ، فنهى عن قتلها واصفا إياها بوصف محبب إلى النفس قائلاً : "لا تقتلوا عوامر البيوت " .
وهناك أيضا الكثير من المناسبات والشواهد التي دلت وتدل على أن قلبهالكبير ( صلى اللـه عليه وآله ) كان مفعما بالحب والعطف والرحمة إلى درجةانه قال عن نفسه : " إنما أنا رحمة مهدأة " ، ولعل شهادة الباري - عز وجل- كافية في هذا المجال وذلك في قوله :
{ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } (الأنبياء / 107) .
وبعد ؛ فهذه هي السيرة والأخلاق التي ينبغي أن نحياها في مشاريعناومناهجنا ومسيرتنا في هذه الحياة ، لا الأخلاق المادية الأنانية التييتخلف بها الأنانيون والمصلحيون .
فالمشاريع المادية الوضعية لا تتصف إلا بالأخلاق الجاهلية الجافة ،ولا تعير إلى القيم الروحية والإنسانية أدنى أهمية ، بل لا تعرف إلا الذهبوالفضة والدرهم والدينار ، وبهذا الأسلوب تعمل على مسخ الإنسانية .
أن هذه المشاريع تفتقر إلى معاني التراحم والتعاطف ، وبذلك تتفكك في ظلهاالأسر ليتفكك المجتمع كله فيصبح أفراده ذئابا مفترسة ، وحيوانات يفتكبعضها ببعض ، فالمجتمعات البشرية وخصوصاً الغربية تعج اليوم بالملايين منصور هذا التفكك والانحلال
أن مثل هذه الحياة المقرونة بالسعادة الروحية ، والراحة النفسية ،واطمئنان القلب نجدها متجلية عند علمائنا ومراجعنا العظام ، فترى الواحدمنهم يحمل قلب الفتوة والشباب بما نستشعره منه من روح الظرافة ، وحسنالمجاملة رغم انه قد يناهز المائة سنة من العمر ، وعندما يتوفاهم الأجلفانهم يرحلون عن هذه الدنيا وهم في كامل صحتهم . وكل هذا مستوحى من آداب وأخلاق القرآن والسيرة النبوية الشريفة ، ولو أخذنا بهذه الأخلاق ،وطبقناها في حياتنا لعشنا السعادة الروحية ، والاطمئنان القلبي في أجواءمفعمة بالأيمان والتقوى وحب اللـه - سبحانه وتعالى - وحب رسوله وأهل بيتهالميامين .
ومن أجل تحقيق هذا الهدف ينبغي أن نلتزم بأربعة أمور مهمة :
1- مطالعة السيرة النبوية الشريفة والعمل بها ما أمكننا :
ففيبعض البلدان الإسلامية جرت عادة المسلمين هناك على أن يعقدوا الجلساتالخاصة التي يتداولون فيها السيرة النبوية ، وأحوال النبي (صلى اللـه عليهوآله ) وصحابته الخلص ؛ كيف ولد ونشأ ، وكيف بعث بالرسالة ، وكيف كانتدعوته ومن ثم جهاده وغزواتـه ؟ بل وكل ما يتعلق بــــــــــه
( صلى اللـه عليه وآله ) و أصحابه (رض) من مآثر و أخلاق كريمة وفضائلومناقب وللأسف فأننا نكاد نهمل هذا الجانب المهم من السيرة النبوية ، بلربما لم يقرأ أحدنا كتابا كاملا عن حياة النبي الأعظم
( صلى اللـه عليه وآله ) ، في حين أن الإمام السجاد ( عليه السلام )يشير إلى أهمية هذا الجانب بقوله :" كنا ندرس مغازي النبي كما ندرس القرآن"
2- اتخـاذ النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) أسوة وقدوة لنا في حياتنـا :
وفي هذا المجال يقول - تعالى - : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِاللَّهِ أسوة حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الأَخِرَوَذَكَرَ اللَّهَ كَثــــــــــــــــــــــــِيراً } ( الاحزاب / 21) ،وهذا يعني ضرورة التخلق بأخلاق الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) ، والتأدببآدابه من خلال تقصي كل صغيرة وكبيرة تتعلق بآدابه ، و أخلاقه ، وطرقتعامله ، فقد جاء في بعض الروايات - مثلا - انه ( صلى اللـه عليه وآله )كان عندما يريد شرب الماء يلتزم بثلاثين أدبا في هذا الخصوص ، وروي عنه(صلى اللـه عليه وآله ) انه كان عندما يجلس بين أصحابه يوزع نظره بينهم ،وعند الإشارة كان يؤشر بكل يده الشريفة ، وعند المصافحة كان لا يترك يدالمصافح حتى يبدأ هو بسحبها ، وقد قيل أن أحدا لم يكن يسبق الرسول ( صلىاللـه عليه وآله ) في المبادرة بالسلام والتحية .
تيار عظيم من العاطفة
ترى أين الغربيـون من الإسلام وقوانينه ووصايا الرحمة التي سنها من مثلقوله - تعالى - : { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } (الإسراء / 23) ،وقوله : { وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلرَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } ( الإسراء / 24) ، وهذههي الأخلاق الإسلامية في إحدى جوانبها الكثيرة ، فالإسلام هو تيار عظيم منالعاطفة ، وهو رحيم حتى بأعدائه ، ومثل هذا الخلق الإسلامي العظيم نجدهمتجسدا في منهج النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) و أهل البيت ( عليهم السلام) ، ونحن عطاشى إلى هذا المنهل العذب ، ولذلك فان من الواجب علينا أننستثمر سيرة الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) في حياته الشريفة لكي نحيى فيهذه الدنيا حياة مثالية ملؤها السعادة والأمل والهناء ومع كل الناس فيمختلف المجتمعات والأمم في الأرض
انتظار الأمل لا يعني السكوت
وبالطبع فإننا كمؤمنين بانتظار ذلك الأمل المشرق المتمثل في حفيد النبيالأعظم ( صلى اللـه عليه وآله ) ، الأمام الحجة بن الحسن العسكري -أرواحنا لمقدمه الفداء - ، ولكن هذا لا يعني أن نعيش اليأس حتى ساعةالظهور المباركة ، فالقرآن والنهج النبوي هما اللذان يأخذان بالبشرية نحوالآفاق المشرقة في عصر الغيبة الكبرى ، ثم هناك علماؤنا ومراجعنا الكرامالذين هم امتداد لأئمة الهدى المعصومين ، وبهذين النهجين وبجهود واجتهادالمراجع العظام يوضع المشروع الإنساني الكوني للحياة ، هذا المشروع الذيلا يخص قوما ، أو طائفة ، أو عنصرا دون آخر ، كما أن هذا المشروع الإلهيالشمولي الذي وضع أسسه ، وبنى هيكله الخالق - تعالى - لا يقف عند الإنسانوحده ، بل انه يشمل الوجود كله بأحيائه وجماده ، ففيه مراعاة لحقوق كلكائن ، وهو يستثمر كل طاقة من أجل بناء الحياة الفضلى .
أن الإنسان عندما يأوي إلى الإسلام ويرتدي ثوبه ، ويلبس لباس التقوى ،يغدو كائنا متطورا تنطبق عليه معاني الإنسانية الحقيقية ، فيصبـح ذلكالموجــود العاقــل الذي يستطيع أن يعيش بين أحضان الطبيعــة ويتعايـشمعهـا .
هكذا كانت حياة المصطفي رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم حياة مليئة بالإيمان والتقوى و ا لرحمة .
كان مثلاً صادقاً عظيم سارت على خطاه الأمة الإسلامية جمعاً . فالقرانالكريم والسرة النبوية الشرفة هما النوران الذين يرشدان البشرية إلى طريقالهداية والنور .
اتمنا أن وفقت في كتابه هذا المختصر البسيط ع السيرة العظيمة و أخلاق النبي المصطفى .