قرأ الإمام اليوم في صلاة فجر الثاني والعشرين من رمضان عام 1429 للهجرة قوله تعالى في سورة الشورى الآية الخامسة والأربعين " ... وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ ألا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ " : فقلت إنه والله لأمر جلل أن يبيع الإنسان نفسه للهوى والشيطان رخيصة ، فيخلد في النار ، ويخسر كل شيء ، وأول ما يخسر نفسه .
قد يخسر الإنسان ماله ، فيعوّضه . وقد يخسر عقاراته ، فيسعى للحصول على غيرها ، وقد يخسر خيوله وأنعامه فيجدّ ويجتهد لتعويض خسارته . كل شيء يمكن أن يُعَوّض ، لكنّ خسارة النفس ، وتضييعها لا يُعوّض أبداً . وهنا الألم القاتل والحسرة الدائمة .. ولات حين مندم .
يطلع المؤمنون - وهم في جنة الله ورضوانه ونعيمه ، وعسانا أن نكون من الوارثين لهذا الفردوس المقيم بفضل الله ورحمته – يطّلعون على الكفار في عذاب النار وألمه الذي لا يُطاق فماذا يقولون :
إن من يدخل النار إما أن يكون أهله معه فيها ، فلا انتفاع بهم .
وإما أن يكونوا في الجنة ، فقد حيل بينه وبينهم ، ونالهم غيره .
أما من يدخل الجنة فإما أن يكون أهله معه ، فيسعد بهم ويزداد سروره بوجودهم معه .
وإما أن يكون أهله في النار فيبدله الله تعالى في الجنة أهلاً خيراً منهم من
الحور العين .
وَفِي سُنَن اِبْن مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَد إلا لَهُ منزلان ، مَنْزِلٌ فِي الْجَنَّة وَمَنْزِلٌ فِي النَّار فَإِذَا مَاتَ فَدَخَلَ النَّار وَرِثَ أَهلُ الْجَنَّة مَنْزِله ، فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " أُولَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ " )[ الْمُؤْمِنُونَ : 10 ].
وعلى هذا يُضاعف ملكُه في الجنّة فوق حقه هبة وإرثاً بفضل الله تعالى ، يرث ما كان للرجل الكافر لو كان مؤمناً . وَفِي مُسْنَد الدَّارِمِيّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ أَحَد يُدْخِلهُ اللَّه الْجَنَّة إلا زَوَّجَهُ اثنتين وَسَبْعِينَ زَوْجَة مِنْ الحُور الْعِين وَسَبْعِينَ مِنْ مِيرَاثه مِنْ أَهْل النَّار ، .. ) .
قَالَ هِشَام بْن خَالِد : ( مِنْ مِيرَاثه مِنْ أَهْل النَّار ) يَعْنِي رجالاً أُدْخِلُوا النَّار فَوَرِثَ أَهْل الْجَنَّة نِسَاءَهُمْ كَمَا وَرِثَ الرسول صلى الله عليه وسلم اِمْرَأَة فِرعَون .
يقول ابن كثير رحمه الله تعالى في هذه الآية : إن الخَسَارالأكبر لمن ذُهَبَ بِهِمْ إِلَى النَّار فَعَدِمُوا لذتهم فِي دَار الأبد وَخَسِرُوا أَنفُسهم ، وَفَـُرَّقَ بَينهم وَبَيْن أحبابهم وأصحابهم وأهاليهم وقراباتهم ، فَخَسِرُوهُمْ " ألا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَاب مُقِيم " دَائِم سرمديّ أبديّ لا خُرُوج لهم منها ، ولا مَحِيد لهم عنها .
ولا يقول المؤمنون هذا القول : إلا حين يعاينون لذة الجنة ونعيمها ، يقولون ذلك ويحمدون الله تعالى أن هداهم للإيمان وأكرمهم بالإسلام ، ورزقهم الخلود الأبدي في نعيم لا ينقطع وسعادة لا تزول ، وخير يتجدد .
إن كنت إلى خير تسعى *** وافاك الخير ونجّاك
وإلى الفردوس مع النّا *** جين بكل هناء وافـاكَ
يا فرحة قلبك حين ترى *** أحبابَك جـذلى إذْ ذاكَ
والله تعـالـى بالإكـرا *** م وحور الجنّة أرضاك
بل تشـكر ربّك تحمده *** إذ جعـل الجنّـة مأواكَ
وحمـاك بمنّتـه نــاراً *** بلظاها تشوي الأفـّاك
وأعاذك منها ، وحباكَ *** فضلاً ونعيماً يغشـاكَ
وغِراس الجنّة تسبيحٌ *** تهليلٌ ، فالزم ذكـراكَ
واعمل للجنّة في دَأَبٍ *** كي يحلُـوَ فيها مثواكَ
عثمان