رمضانيات
(17)
ضيف لطيف
هذا الضيف العزيز الذي يزورنا كل سنة شهراً
يعطينا ولا يأخذ منا . لا يكلفنا ما لا نستطيع إنما يخفف عنا كثيراً من العناء ،
ويساعدنا على التخلي عما يضر ولا ينفع . يعيننا مادياً ومعنوياً ونفسياً وفكرياً
... أما كيف ؟ فهاك ما رأيته وأراه .
يأكل أحدنا ما يريد في الوقت الذي يشاء .
وفي الوقت الذي يشاؤه غيره في كثير من الأحيان . فقد تلتقي بعضهم فيدعوك بإلحاح إلى
غداء أو إفطار ما كنت تحسب له حساباً ، إنك تخرج من البيت أو تتغدى في مطعم وتنطلق
إلى عملك فتلتقي صديقاً أو عميلاً يريد أن يتقرب إليك و يكرمك ، وتخبره أن معدتك
ممتلئة أو إنك لا ترغب فعلاً بإدخال شيء إليها لعدم شعورك بالجوع أو الرغبة في
الطعام ، فلا يراعي الأمر ، ويصر على ذلك ، ولعله يعتبر عدم إجابة دعوته نوعاً من
التهرب أو الإهانة !! فإذا أصررت على موقفك فقد تخسر موقفاً أو عميلاً ، وإن جاريته
مُكرهاً خسرت صحتك ، نعم خسرت صحتك فالمعدة بيت الداء والحمية أصل كل دواء .
في
رمضان تتخلص من كل هذه المواقف الحرجة . ومن أضغوط بعضهم وعدم تفهّمهم الأمور صحيحة
.
بل إنك في الإفطار تتناول ثلاث تمرات وتشرب كأساً من الماء ، وتنطلق لصلاة
المغرب ، فتؤديها مرتاحاً ثم تعود لتأكل مع أسرتك أو أهلك وأحبابك .. والمسلم الحق
يخفف الأكل نوعاً وكمية ، فيرتاح جسمه ويتخلص من الفضلات المقيمة في جسمه ، فيعاوده
النشاط وتتحسن صحته ، هذا على فرض فهمنا لمعاني الصيام والعمل به .. أما ما يجري
على الطبيعة فمخالف – مع الأسف – لحكمة الصيام ومسنونيته ، إذ ترى الصائمين !
يتموّنون في هذا الشهر ما لم يكونوا يفعلونه في الأشهر الأخرى ، فترتفع فاتورة
الشراء وتكثر أنواع الأطعمة على مائدة الإفطار، وكأن القوم عائدون من بلاد الجوع ،
أو من إرهاق شديد بعد رياضة مضنية أو عمل شاق .
يُحكى أن مدخّناً يستهلك في
اليوم علبة دخان واحدة قرر أن يمتنع عن اليدخين يوماً واحداً ليبرهن لنفسه أنه قادر
على لجمها ، فعل ذلك بحق، لكنه كافأ نفسه في اليوم التالي فدخّن علبتين ! وهذا
حالنا معشر الصائمين إلا من رحم ربنا ، فإنك ترى أنواع العصائر وتنوّع الأطعمة على
الخوان تنتظر مدفع الإفطار حتى يصير ما عليه في خبر كان ، ثم ينطلق الجميع إلى صلاة
التراويح شبه نائمين بسبب بخار الطعام المرتفع إلى الرأس ، فإذا ما أدوا صلاة
التراويح ( التساريع ) ومرّت ساعتان على وقت الإفطار عاد الناس يتناولون
الحـَلـْوَيات وغيرها مما لذ وطاب فإذا المخزون من الطعام في أجسامنا شهر رمضان فاق
نظيره في بقية الشهور وتبدّل شهر الصيام إلى شهر المأكولات . ولا ننسَ ما يتناوله
الناس في ليالي السمرمن أنواع الحلوى أمثال القطايف ، وغزل البنات ، والكُنافة
بأنواعها ، والشُّعيبيات ، وقد تُسمى ( الوَربات ) .... وهي قائمة طويلة
...
والمطلوب في رمضان نوع من الغذاء نحتاجه كثيراً لأنه شهر البركات وشهر العفو
والمغفرة ، إنه غذاء الروح والقلب والعقل . وهل أطيب من ذكر الله تعالى وتسبيحه
والثناء عليه جل في علاه ؟. وهل ألذ من ركيعات في جوف الليل تغسل أدران الحياة
وتجلو القلوب وتُرضي رب العباد سبحانه ؟
وهل أفضل من إصلاح ذات البين ، فنعتذر
ممن أسأنا إليه ونستسمحه ، وندعو له ويدعو لنا فإذا كانت ليلة القدر شملنا الله
تعالى بالعتق من النار ، وغفر ذنوبنا وستر عيوبنا وقرّبنا إليه سبحانه ؟
لهذا
كان أسلافنا ينتظرون هذا الشهر الكريم بفارغ الصبر ويقولون " اللهم بارك لنا في رجب
وشعبان ، وبلّغنا رمضان" .
ونحن نلهج إلى الله تعالى راغبين أن يجمع قلوبنا ويلم
شملنا ، ويجعلنا قوة واحدة ويداً واحدة ترفع مقامنا بين الأمم وأن ينصرنا على
أعدائنا ويشفي صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم .