لن أدخل في فقه الصلاة – كما يريده الفقهاء أنفسهم – فلست بالذي يبغي أن يؤصل قاعدة فقهية يناقش فيها ، إنما نراوح بين اللغة والعادة التي تعارف عليها الناس في أدائهم صلاة التراويح في كل رمضان .
اعتاد جمهور المسلمين – وأركز على كلمة ( اعتاد) – بعد فرض العشاء في رمضان مباشرة أن يصلوا ثماني ركعات على الأعم وعشرين ركعة على الأقل وكأنها صارت فرضاً عليهم ، لا يخرجون من المسجد إلا إذا صلّوها –
وتعمدت أن أقول " صلّوها " ولم أقل " يقيمون صلاتها " لأن الفرق بين المعنيين كبير . فلن تجد في القرآن حين يأمرنا الله تعالى بالصلاة – على الأعم الأغلب - سوى " وأقم الصلاة .." و " يقيمون الصلاة " وقد ذكرت الإقامة بالفعل الماضي والمضارع والأمر والمصدر خمساً وأربعين مرة ، إلا إذا أراد الدعاء ، فقال " وصلّ عليهم " ثم ذكر الفعل صلّى مرة واحدة بصيغة الأمر في قوله تعالى " فصلّ لربك وانحر " .
وتراهم في أحايين كثيرة يوصون الإمام أن يسرع في صلاته قراءة وأداء ، فيختصر صاحبنا القراءة . ولا حاجة لقراءة " وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض ... " أو " سبحانك اللهم وتبارك اسمك وتعالى جدك ...." بعد تكبيرة الإحرام بل يبدأ بالفاتحة مباشرة ، ويُعدّ ماهراً إذا أنهى الفاتحة بنـَفس واحد أو نفسين ، ثم قرأ من قصار السور آيتين أو آية واحدة إن كانت طويلة بالسرعة نفسها التي قرأ فيها الفاتحة ، ثم يركع فلا يستوي راكعاً ويسجد فلا يستوي ساجداً . ولا ترى كبار السن والبادنين يستطيعون متابعته ، فهو يسير بسرعة مئة وثمانين كيلاً في الساعة !.
وأغلبهم لا يريد أن يسمع كلمة بعد الركعة الرابعة ، فقد تفوته حلقة من مسلسل تلفزيونيّ شائق يتابعه ،أو سهرة ممتعة حان وقتها . وإن لم يكن بد من الكلمة ، فلتكن قصيرة وسريعة قِصَر الركعات وسرعتها .
صليت مرة في مدينتي حلب ، وفي حي الكلاّسة ، وبالتحديد في جامع عبد الناصر ، فانتهت صلاة العشاء وركعتا السنة بعدها ، وعشرون ركعة للتراويح ، ثم ركعتا الشفع ومن بعدها ركعة الوتر كل هذه الركعات في نصف ساعة فقط . إنها كما ترون تسع وعشرون ركعة قضاها في ثلاثين دقيقة ! ، وافتخر الإمام أنه كان نشيطاً وسريعاً ، ومَن أعجبته الصلاة معه فليصل معه الأيام القادمة ، ومن لم يعجبه فالمساجد في المنطقة كثيرة !!
كنت إذ ذاك في الثلاثين من عمري حين انطلقت لزيارة أهلي ومعي زوجتي ، فأُذّن للعشاء ، وكنا في منتصف الطريق إليهم فدخلنا هذا المسجد وأدينا رياضة نصف ساعة ! وسمعت هذا الكلام ، فحمدت الله أن بيتي ليس في هذا الحي وإلا اضطررت أن أمشي كل يوم مسافة أكبر لأصلي في مسجد آخر .
وسألت نفسي :
1- هل من السنّة أن نصلي التراويح بعد صلاة العشاء مباشرة ؟ والجواب قطعاً : لا ؛ إنما نصليها في الوقت بين العشاء والفجر .
2- هل الصلاة أمر ثقيل فرض علينا يجب أن نؤديه بتلك السرعة أو شبيهها دون أن نتفكر أو نتدبّر فيما يقرأ الإمام ؟ ودون أن نعي هذه الرسائل الإلهية فنعرضها على أنفسنا لنرى أنحن ممن يؤديها أم نسيها ومرّ عليها ، فلم يلقِ لها بالاً ؟
3- وما الفرق بين السرعة والاعتدال في الحركات والطمأنينة في الركوع والسجود ؟ إننا لو زدنا في كل ركعة نصف دقيقة لما زاد الأمر عن أربع دقائق في الركعات الثمانية أو عشر دقائق في الركعات العشرين . أليست هذه الدقائق التي نضمها للصلاة تزرع السكينة والطمأنينة في أدائنا للصلاة ، وترضي ربنا تعالى ؟ وما الأمر الخطير الذي نضيعه في حياتنا إذا كانت صلاتنا هادئة ؟. ولن أقارن أنفسنا برجال الله السابقين ، فهؤلاء قوم عمالقة ، لن نصل إلى كعوب أقدامهم .
4- والتراويح من المراوحة ، ويقول العلماء : سمي قيام رمضان " تراويح" لأن فيها مراوحة بين الصلاة والذِكر والعِبَر والعظات ، فبين كل ركعتين أو أربعٍ كلمة ٌ، ثم ذكرٌ لله تعالى وصلاةٌ على نبيه الكريم ، وبعضهم قال – كابن مسعود رضي الله عنه - بل هناك تراويح بين رجل وأخرى في الصلاة لترتاح كل رجل من طول الوقوف قليلاً حين تعتمد على أختها دقائق لطول القيام . وهذه الصلاة التي يحدثنا عنها ابن مسعود لا علاقة لنا بها ، فأولئك – كما قلت – عمالقة شتان ما بيننا وبينهم . ورحم الله سيدنا ابن مسعود فهو يتحدث عن رجال القرون الثلاثة الأولى ولا يقصد رجال القرن الخامس عشر الهجري أو القرن الواحد والعشرين الميلادي !. .
فهل نصل نحن صلاة التراويح أو صلاة التساريع ؟!