رمضانيات
(19)
المبارك وابن عياض
موقعٌ في النت من أكثر المواقع نفعاً ، لا أشبع منه
ولا أرى غيرهُ – من قبيله – خيراً منه – بزعمي – فما من يوم إلا وأستعين بهذا
الموقع في تفسير آية كريمة أو معنى جليل ، أو التعرف إلى قصة وموقف تربوي أو فكري
وأدبي أو تاريخيّ . " quran . muslim " فيه تفسير ابن كثير والجلالين والطبري
والقرطبي رحمهم الله إلى جانب كل آية من آيات القرآن الكريم . فتعرّج على معنى
الآيات في جمع هذه التفاسير الجليلة بسهولة ويسر، وتدرس ما فيها وتقارن مقارنة قاطف
الورد وناسم الرّوح لا مقارنة التفضيل والتقديم ، فما يحق لي أن أكون إلا تلميذاً
صغيراً من تلاميذ تلامذتهم وأقل من ذلك بكثير . نسأل الله تعالى أن يحشرنا معهم في
ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله تحت لواء سيد البشر وخاتم النبيين .
كنت أقرأ تفسير
قوله تعالى آخر سورة آل عمران " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا
وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200) " فمررت
في تفسير ابن كثير بقصة العالمين الجليلين " عبد الله بن المبارك " و" الفضيل بن
عياض " رحمهما الله تعالى . وكلاهما عالم جليل وإمام في الدين . فقد كان ابن
المبارك في أحد الثغور الإسلامية ،يجاهد في سبيل الله تعالى ، وكان الفضيل بن عياض
في الحرم المكي معتكفاً لا يكاد يخرج منه إلا لزيارة المصطفى عليه الصلاة والسلام
في المدينته المشرفة ، ففي قصتهما عبرة وعظة ، وأدب وأخلاق .
رَوَى الْحَافِظ
اِبْن عَسَاكِر فِي تَرْجَمَة عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك مِنْ طَرِيق مُحَمَّد
بْن إِبْرَاهِيم بْن أَبِي سُكَيْنَة قَالَ : أَملَى عَلَيَّ عَبْد اللَّه بن
الْمُبَارَك هَذِهِ الأبيات بِطَرَسُوس ( على حدود الروم ) وَوَدَّعْته لِلْخُرُوجِ
وَأَنْشَدَهَا مَعِي إِلَى الْفُضَيْل بْن عِيَاض فِي سَنَة سَبْعِينَ ومئة وَفِي
رِوَايَة سَنَة سَبْع وَسَبْعِينَ وَمِئَة.
يَا عَابِد الْحَرَمَيْنِ لَوْ
أَبْصَرْتنَا --- لَعَلِمْت أَنَّك فِي الْعِبَادَة تَلْعَبُ
مَنْ كَانَ
يَخْضِبُ خَدّه بِدُمُوعِهِ --- فَنُحُـورنَـا بِدِمَائِنَـا تَتَخَضَّـبُ
أَوْ
كَانَ يُتعِب خَيلَهُ فِي بَاطِـل --- فَخُيُولنَا يَوْم الصَّبِيحَة تَتْعَبُ
رِيح العَبِير لَكُمْ وَنَحْنُ عَبِيرنَا --- رَهْج السَّنَابِك
وَالغبارالأطيبُ
وَلَقَدْ أَتَـانَـا مِنْ مَقـال نَبِيّنَـا --- قَوْل صَحِيح
صَادِق لايكذبُ
لا تسْتَوِي أغُبَار خَيْل اللَّه فِي --- أَنْف اِمْرِئٍ
وَدُخَانُ نَار تَلْهَبُ
هَذَا كِتـاب اللَّـه يَنْطِق بَينـنَـا --- لَيْسَ
الشَّـهِيـد بِمَيّتٍ لا يكذَبُ
قَالَ فَلَقِيت الْفُضَيْل بْن عِيَاض بِكِتَابِهِ
فِي الْمَسْجد الْحَرَام فَلَمَّا قَرَأَهُ ذَرَفَتْ عَينَاهُ وَقَالَ : صَدَقَ
أَبُو عَبْد الرَّحْمَن وَنَصَحَنِي ، ثُمَّ قَالَ : أَنتَ مِمَّنْ يكتُب الحَدِيث
؟ قُلْت : نَعَمْ قَالَ : فَاكْتُبْ هَذَا الحَدِيث كِرَاء ( أجرة ) حَمْلك كِتَاب
أَبِي عَبْد الرَّحْمَن إِلَيْنَا . وَأَمْلَى عَلَيّ الْفُضَيل بْن عِيَاض :
حَدَّثَنَا مَنْصُور بْن الْمُعْتَمِر عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة
: أَنَّ رَجُلاً قَالَ : يَا رَسُول اللَّه عَلِّمْنِي عملاً أَنَال بِهِ ثَوَاب
الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيل اللَّه فَقَالَ " هَلْ تَسْتَطِيع أَنْ تُصَلِّي فلا
تَفـْتُر وَتَصُوم فَلا تُفـْطِر ؟ " فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه أَنَا أَضْعَف مِنْ
أَنْ أَسْتَطِيع ذَلِكَ . ثُمَّ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
" فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ طُوِّقْت ذَلِكَ مَا بَلَغْت الْمُجَاهِدِينَ
فِي سَبِيل اللَّه أَوَمَا عَلِمْت أَنَّ الْفَرَس الْمُجَاهِد لَيَسْتَنّ فِي
طِوَلِه فَيُكْتَب لَهُ بِذَلِكَ الْحَسَنَات " .
فأقر الفُضيل رحمه الله تعالى
بفضل المجاهد على العابد .. والأحاديث الواردة بهذا الخصوص كثيرة وصحيحة . وما أعظم
أن يكون المسلم صواماً قوّاماً ومجاهداً مقاتلاً في سبيل الله فينال الأجرين معاً ،
وهؤلاء قليل ندرة الأحجار الكريمة في أرض مليئة بالصخور والأحجار . فطوبى للمشمّرين
.