الحمد لله وكفى وسلاماً على عباده الذين اصطفى ....وبعد...
فهذا هو الجزء الثالث من هذه السلسلة وسأبدأ الحديث _إن شاء الله_ في سورة ""الرعد""..
**قال الله ((المر..تلك أيات الكتاب ،والذى أنزل إليك من ربك الحق ،ولكن أكثر الناس لا يؤمنون))..
_الكتاب مكون من هذه الأحرف التى تنطقون بها وتصوغون كلامكم منها...من نفس الخامات التى
تستخدمونها ...فما بالها _على ألسنتكم_ غيرها في هذا الكتاب؟؟!!!
ألا يدلكم ذلك على شىء؟؟!!
ألا يدلكم على أن القائل لهذا القرأن ليس أحداً من البشر ؟؟!!
إن الإعجاز في هذا القرأن ليس نابعاً من أنه استخدم حروفاً أخرى غير التى يتكلم بها العرب المخاطبون به أول مرة .....إنما هو نابع من ""الإستخدام الربانى"" لهذه الحروف ذاتها الموجودة في
لسانهم، فإذا من نفس الخامة بناء فريد معجز لا يتسنى لبشر أن يأتى بمثله.....
فهو إذن منزل إليك من ربك وهو""الحق"" ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ..مع بداهة القضية وعدم
حاجتها إلى مزيد من البرهان!!!!!!!
_بهذا الأسلوب الهادىء الحاسم في ذات الوقت ،يقرر القضية الأولى التى ينكرها المشركون وهى
قضية""الوحى""،ويقرر كذلك موقفهم منها وهو أنهم "لا يؤمنون بها"" !!
_ثم بدلاً من أن يناقشهم في موقفهم ذلك ليبين لهم_بالدليل العقلى_أنهم مخطئون وأنهم ليسوا على شىء إذا به كأنه يترك القضية جملة وينتقل إلى قضية أخرى جديدة بالمرة!!!
""قضية الخلق والإستواء على العرش وتسخير الشمس والقمر.........
_قال الله((الله الذى رفع السماوات بغير عمدٍ ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كلٌ يجرى لأجلٍ مسمى))....
**ولكن أهى حقاً جديدة مختلفة؟؟وهل ترك القضية الأولى معلقة بغير رد؟؟!!!
_كلا!!!!!!!
_ إنها القضية ذاتها في الحقيقة ولكن القرأن يعالجها على طريقته!!!!
_كلا!!!!!!
_ إنها القضية ذاتها في الحقيقة ولكن القرأن يعالجها على طريقته!!!!
_إن الأية الثانية تبدأ بلفظ الجلالة""الله""....وذلك هو مفتاح القضية!!!!...
فالقضية في ظاهرها هى إنكار العرب للوحى...ولكنها في حقيقتها_كما يعلمها الله_"هى جهلهم بحقيقة
الألوهية!!""....فلو أنهم عرفوا الله حق المعرفة ما استغربوا أن ينزل الله كتاباً على أحد من خلقه بطريق الوحى ،وما أنكروا كل ذلك الإنكار.......
_وما دامت القضية في جوهرها هى جهلهم بحقيقة الألوهية ،فالجدل _أو حتى البيان_ في جانبها الجزئى المتعلق بالوحى "لا يغنى الغناء الكامل"" الذى يغنيه الحديث عن الألوهية وبيان القدرة
الربانية المعجزة التى لا يعجزها شىء في السماوات والأرض .....
ومن ثم فإبتداء الأية بلفظ الجلالة""الله"" _فى معرض الحديث عن إنكار الوحى_ليس غريباً ولا مفاجئاً...إنما يلفت حسنا _وحس المنكرين_ إلى جوهر القضية وإلى سبب ذلك الإنكار...
_ومن ثم يمضى سياق الأيات يعرَف بالله سبحانه وتعالى......
**قال الله((الله الذى رفع السماوات بغير عمد ترونها.....))..
_وقيام السماوات مرفوعة بغير عمد_أو بغير عمد منظورة_ "حقيقة مشهودة""...ولكن الحس يتبلد عليها بدافع الإلف والعادة فلا يعود يأخذ منها دلالتها الحقيقية على عظمة الخالق التى لا تقف عند حد..
ولكن القرأن ينبه هذا الحس فيزيل عنه الركام الذى يغشيه فيمنعه من تلقى الشحنة الكاملة لهذه الحقيقة....
والمفاجأة التى تلقيناها لأول وهلة هى واحد من عوامل الإيقاظ التى يوقظ بها القرأن الحس المتبلد
:"وهى مفاجأة الرد على قضية إنكار الوحى بلفظ الجلالة(الله)""!!!
_لقد علمنا الأن سرها وعلمنا أنها ليست مفاجأة في الحقيقة ولكنها تلفت نظر إلى الجوهر الحقيقى
للقضية ،ولكن ذلك لا ينفى أنها ""فاجأتنا لأول وهلة""....وذلك أمر مقصود في السياق ليستيقظ الإنسان من غفلته ويتدبر الأمر بقلب مفتوح...........
**قال الله ((...ثم استوى على العرش...))..
_ ونحن لا نعلم كيف استوى على العرش ..وليس المقصود من إيراد هذه الحقيقة أن نعرف كنهها ..
ولكنها حقيقة غيبية _وجب الإيمان بها على مراد الله ورسوله_ تجىء بعد الحقيقة الأولى "المشهودة"
وتعطى شحنتها من خلا ل إيحائها.....فهى توحى بالتمكن الكامل والسيطرة الكاملة والإشراف التام على كل الخلق.....
**قال الله(( وسخر الشمس والقمر كل يجرى لأجلٍ مسمى))...
_وجريان الشمس والقمر حقيقة مشهودة كذلك ولكنها من الحقائق الكونية التى يتبلد عنها الحس بالإلف والعادة........
ولكن التعبير القرأنى البديع يزيل عنها "إلفها" ويمنحها ما يعطى الحس شحنة إيمانية...
إنه لا يقول "إن الشمس والقمر يجريان" ولكنه قبل هذه الحقيقة المشهودة يضع حقيقة أخرى "هى التى ينساها القلب الغافل فيتبلد عن دلالتها (وسخر) ..فالشمس والقمر لا يجريان من تلقاء نفسهما كما يخيل إلينا _فى حالة الغفلة ةالتبلد_..وما كان لهما بأى قوة أن يجريا لو لم يتلقيا الأمر من الله الذى سخرهما لأمر يريده سبحانه.....
وإذن فالأمر كله مرده إلى الله .....والمطلوب من الإنسان الغافل أن يتيقظ الأن لهذه الحقيقة لكى لا يعود إلى الغفلة التى تؤدى إلى الإنكار.......
**قال الله ((كل يجرى لأجل مسمى.....))..
الإشارة إلى الأجل المسمى عند الله الذى تتوقف فيه حركة كل الأفلاك وهى مما يساعد على إيقاظ الحس وإزالة التبلد عنه لأنه يلفت النظر إلى شىء زائد على مجرد الحركة التى تراها العين فتألفها وتنساها!!!!!!!!!!!
**قال الله ((يدبر الأمر....))..
_فإذا كان السياق السابق قد ذكر أموراً حدثت في الماضى السحيق لا يعلم مداها إلا الله من رفع السماوات والأستواء على العرش وتسخير الشمس والقمر......
ولقد يخيل للحس الغافل أن لك قد تم _ذات مرة_ وانتهى الأمر!!!!ثم أصبح الكون من تلقاء نفسه يسير مدفوعاً بتلك الدفعة الأولى بغير إرادة مباشرة من الله!!!!!!!ومن ثم يصبح الله ""غائباً""في ذلك الحس الغافل لا ينتبه لوجوده ومن ثم لا يتوجه إليه أو لا يتوجه إليه التوجه المطلوب.....
فالسياق إذاً يرد هذا الغافل إلى الحقيقة ...أن الله "حاضر"" في تدبير الكون في هذه اللحظة كحضوره في ذلك الأزل الذى لا يستوعبه إدراك البشر وفى الأبد الذى لا تستوعبه الأفهام ...وعندئذ لا مجال
للنسيان!!! فتدبير الله للكون أمر يتم في كل لحظة وفى هذه اللحظة وفى كل صغيرة وكبيرة في الكون.
هذا هو بداية الحديث في هذه السورة ....والله أسأل أن تصل فكرتى إلى إخوانى وأخواتى في الله...
والحمد لله أولاً وأخيراً...
يكمل _إن شاء الله_