الحمد لله وكفى وسلاماً على عباده الذين اصطفى.... وبعد.....
فها نحن إخوانى وأخواتى في الله نكمل مع أيات من سورة الرعد_إن شاء الله_.......
***قال الله((وفى الأرض قطعٌ متجاورات وجنات من أعنابٍ وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان ،يسقى بماءٍ واحد ونفضل بعضها على بعضٍ في الأكل ،إن في ذلك لأياتٍ لقومٍ يعقلون))...
_فى الأرض قطع متجاورات ولكنها مختلفة بعضها عن بغض ...هذه رملية...وهذه طينية ...وهذه صخرية....هذه صفراء وهذه حمراء وأخرى سوداء...إلخ...
والسياق يلفت الحس هنا إلى ظاهرة الإختلاف ذاتها بوصفها "دليلاً على عظمة الخالق سبحانه"...
فما يصنع هذا التنوع العجيب إلا إله قادر عظيم؟؟!!!!!!!!!
_والتنوع ليس في القطع المتجاورات في الأرض ،المختلفة الطبيعة واللون فحسب ،بل في أنواع الزرع كذلك ....قال الله((وجنات من أعناب وزرع ونخيل)).....
ويسرح الخيال في الرقعة الممتدة التى ترسمها الأية، ينظر إلى أنواع النبات ،المختلف الألوان والأحجام والأشكال....وكلما امتد البصر وجد أنواعاً مختلفة ((متجاورات))كقطع الأرض ، ومختلفات
كاختلاف الأرض....
_وحتى النخيل مختلف ما بين صنوان وغير صنوان !!!أى أن السياق يلفت النظر إلى الأختلاف "لا بين الأنواع فحسب بل في داخل النوع الواحد""!!!!!!!!
_ثم هذه العجيبة...:هذا الزرع المختلف كله((يُسقى بماءٍ واحد))!!!ومع ذلك يختلف هذا الإختلاف ويتنوع ذلك التنوع.....ألا إنها القدرة القادرة التى تنشىء هذا الحشد الهائل من التنوع والإختلاف...
_بل إن التنوع ليصل إلى الدقة المعجزة ....إن الإختلاف ليس في النوع واللون فحسب....
إنه في الطعم كذلك((ونفضل بعضها على بعض في الأكل))...وتلك وحدها أية معجزة!!
أن يخلق الطعوم المختلفة ،ثم يخلق للإنسان الأعصاب التى تحس بالطعوم المختلفة ،ثم يجعل بعض
هذه الطعوم أفضل من بعض،ثم يجعل الناس يختلفون في تفضيل تلك الطعوم بعضها على بعض!!!!!
ألا إنه إعجاز الخلق.....وكذلك إعجاز التعبير....!!!!!!!!!!!!!
قال الله(((إن في ذلك لأياتٍ لقوم يعقلون)))...
_إن العجب في سياق تلك الأيات لا يقف عند هذه الدقة العجيبة في السرد ،والقدرة الفائقة على "الإحياء" التى تجعل المشاهد كلها حية في الوجدان ،تهزه من أعماقه ليشعر بعظمة الله الخالق الذى أنشأ كل هذه العجائب!!!!!!!!
_إن هناك عجيبة أخرى تلتقى التقاء كاملاً مع جمال ""الفن""...والتعبير القرأنى كله جمال..وكله فن!
أنظر إلى السياق متتبعاً إياه منذ البدء ، ولاحظ ""الجانب الفنى""من العرض:
*رفع السماوات بغير عمدٍ ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر....
**مدَ الأرض وجعل فيها رواسى وأنهاراً....
***وفى الأرض قطع متجاورات.....
****وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان....
*****ونفضل بعضها على بعض في الأكل....
_ألا تلاحظ نسقاً معيناً في العرض؟؟؟؟؟!!!!!
بالله عليك انظر مرة أخرى!!!!!!!!!
إن التعبير البديع بدأ بالسماوات والشمس والقمر.....أجرام كبيرة....خطوط عريضة.....ولكنها تتدرج
نحو الدقة والصغر:السماوات ،ثم الشمس ،ثم القمر.....
_ثم أخذ الأرض من بين هذه الأجرام الكونية ،أى أنه بدأ بخط أدق وأصغر مما بدأ به المرحلة السابقة من هذه اللوحة الحية ،ثم أخذ يُفصلها متدرجاً"من الكبير إلى الصغير"....
الأرض المنبسطة الممدودة والجبال....ثم الأنهار الأصغر حجماً ....ثم الثمرات....ثم الأزواج داخل النبات الواحد....وكل ذلك ملفوف في رداء الليل والنهار.....
_ثم أخذ جانباً واحداً من الأرض ،التى بدأ بها خطوط المرحلة السابقة ،أى أنه بدأ بخط "أدق" مما بدأ به المرحلة السابقة ،ثم أخذ يتدرج إلى ما هو أدق :"جنات من أعناب وزرع ونخيل...""حتى وصل إلى "غاية الدقة في الطعوم التى فضل بعضها على بعض ،وهى شىء خفى في مظهره،لا تتبينه إلا أعصاب الذوق "وهى من أدق ما في تكوين الإنسان!!!!!!!!!!!!!
_إن هذا التدرج الملحوظ من الكبير في الخطوط المتوالية عامة ثم في كل خط على حدة ....
تُرى ...أهو محض صدفة؟؟؟!!!...وهل هكذا تكون الصدف...؟؟؟!!!!
فضلاً على أنه لا صدفة في الوجود كله ...لأن كل ما في الوجود قدر من الله!!
كلا!!!!!إنها ليست "صدفة"" حتى على المجاز!!!!
_ونمضى مع الأيات البديعة حتى نصل لتلك الأيات.:
قال الله(((وإن تعجب فعجب قولهم:أإذا كنا تراباً أئنا لفى خلق جديد ؟!أولئك الذين كفروا بربهم ،وأولئك الأغلال في أعناقهم ،وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)))...
_فى اللحظة المناسبة ،بل في أنسب لحظة ،وقد انفعل الوجدان بتلك الأيات المعجزة كلها ،يعجب من أمر الذين ينكرون البعث...فتعجب منهم حقاً !!!
أبعد هذه الأيات كلها التى تهز الوجدان هزاً بعظمة الخالق وقدرته المطلقة الدقيقة المعجزة ...
بعد هذا كله يسأل سائل :"أإذا كنا تراباً أئنا لفى خلق جديد؟؟"...
ياله من سؤال شديد السخف بعد هذه الأيات!!!!!!!!
ويا لها من غفلة عجيبة تلك التى ينشأ عنها هذا السؤال!!!!!!!
*وفى أنسب لحظة :ينطق بالحكم الحاسم عليهم ويحدد مصيرهم ((أولئك الذين كفروا بربهم ،وأولئك الأغلال في أعناقهم ،وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون))...
_ولا تجد نفسك إلا مُؤمِناً تماماً على هذا الحكم ...بل منفعلاً تمام الإنفعال :نعم!!!!!!!!هذا هو الجزاء الذى يستحقون!!!!!!
**إنه لأعجاز في منهج العرض ،فوق الإعجاز في دقة التعبير.....
**لو قدم قضية البعث_أو إنكار البعث_قبل إيراد هذه الأيات المعجزات ،وقبل أن ينفعل بها وجدانك كل هذا الإنفعال ،فلربما مرت عليك القضية""باردة""لا تثير انفعالك ولا عجبك ولا استنكارك!!!
_إن المسألة :"ليست وجود الدليل العقلى أو عدمه...إنها أهم من ذلك ..إنها (الجهاز)الذى يتحرك لتلقى الإيمان ....أهو العقل !!...أو....هل هو العقل بادىء ذى بدء ؟؟....أو....هل هو العقل وحده؟؟!!!
كلللللللللللا!!!!!
فليتحرك العقل كما يشاء.....و""ليناقش"" من القضايا على مهل ما يشاء....
ولكنه ليس المخاطب الأول بهذا السياق!!لا لأن القرأن لا يخضع للعقل!!!أو لأن فيه ما لا يتفق مع العقل!!!!!
ولكن لأن فيه ما هو أشمل من العقل ...فيه ما يخاطب ""كل""كيان الإنسان!!!!!!...
أرأيتم إخوانى وأخواتى كيف يتناول القرأن العظيم هذه القضية!!!
_ الله أسأل أن أكون قدمت شيئاً _وهو جهد المقل الضعيف_ في إلقاء الضوء على هذه الأيات...
والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات.....
يكمل إن شاء الله تعالى وقدر.....